لا يزال التوتر السياسي بين مصر وتركيا منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي في ٣٠ يونيو 2013، يلقي بظلاله على العلاقات الاقتصادية بين البلدين، حيث طالب عدد من نواب البرلمان مؤخرًا باتخاذ قرارات فورية بوقف استيراد المنتجات من أنقرة ومقاطعتها.
وجاءت هذه المطالب للرد على المواقف العدائية من الجانب التركي، ولدعم وتشجيع الصناعة الوطنية، على اعتبار أن أنقرة تسىء لمصر يوميًا وتتخذ مواقف عدائية وتمول الإرهاب، وبالتالي فلابد من معاقبتها اقتصاديا بوقف استيراد أى منتجات أو سلع منها.
ويبلغ حجم التبادل التجاري بين مصر وتركيا بلغ في 2016 حوالي 4.1 مليار دولار، 2.7 مليار دولار واردات تركية لمصر، و1.4 مليار دولار صادرات مصرية لتركيا.
وتشمل الصادرات التركية لمصر سلع كثيرة مثل حديد التسليح، والأسمنت، والكيماويات، والمنسوجات، والسيارات، والسلع الكهربائية، بينما تشمل الواردات التركية من مصر سلع مثل السماد، والرمال، والكيماويات، والملابس الجاهزة، والملح، والبولي إثلين.
النائب حسين أبو جاد، عضو مجلس النواب، طالب بفرض رسوم ضد إغراق السوق المحلى بالحديد المستورد خاصة الحديد التركي، للحفاظ على الصناعة الوطنية، مؤكدًا أن إمكانيات المصانع المصرية تغطى احتياجات السوق المحلى من الحديد بل إن مصر تستطيع تصدير الحديد للدول العربية والأفريقية والعالم الخارجي.
وتساءل أبو جاد، في بيان عاجل قدمه للدكتور على عبد العال، رئيس البرلمان، كيف نستورد الحديد من دولة معادية لمصر "تركيا" على حساب الصناعة الوطنية خاصة أن أسعارهم أقل من أسعار الحديد المصرى، وهو ما يخالف التنافسية خاصة في ظل ارتفاع تكلفة الصناعة في مصر عن تركيا.
كما دعا النائب محمد الزينى، وكيل لجنة الصناعة بمجلس النواب، لمقاطعة كل المنتجات التركية ومعاقبتهم اقتصاديا بعدم التعامل التجارى معهم بأى شكل من الأشكال ووقف استيراد منتجاتهم وسلعهم فورا.
وأضاف: علينا أن نتوقف عن استيراد أى منتجات من هذه الدول المعادية لنا حتى إذا كان لا يوجد بديل لها فى مصر، نحن فى حالة حرب ولسنا مرفهين بهذا الشكل حتى لا نستغنى عن منتجات تركيا، ولابد من وقف استيراد كل السلع الاستفزازية وغير الضرورية ونشجع الاستثمار والصناعة المحلية.
الدكتور سعد إبراهيم، أستاذ الاقتصاد بجامعة 6 أكتوبر، قال إن المطالبة بوقف الاستيراد سواء من تركيا، لابد وأن يُطرح في حالة إيجاد البديل، ولكن دونما ذلك فلا قيمة لهذه المطالب القائمة على العواطف.
وأوضح إبراهيم، في تصريحات خاصة لـ"مصر العربية"، أن أبرز المنتجات التي تستوردها مصر من تركيا هي الملابس الجاهزة والعطور والأقمشة وبعض المنتجات البلاستيكية والحديد بالإضافة إلى السجاد.
وأشار إلى أن العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري بين الدول ليس فيه مكان للرغبة أو العواطف، ولكنها أمور يحكمها المصالح وما الذي تستفيده كل دولة من الأخرى في هذا الشأن، مضيفًا أن إيقاف الاستيراد لن يتم إلا إذا وجدت مصر بديلًا عن تركيا لسد احتياجاتها من المنتجات والسلع المختلفة التي تستوردها منها.
وائل النحاس، الخبير الاقتصادي، اعتبر أن هناك دولا قائمة في اقتصادها على التجارة وأخرى على الصناعة وهناك دول قائمة على التوازن بين الصناعة والتجارة لخلق نوع من التنافسية، وبالتالي فإن أى مطالبات بوقف الاستيراد من تركيا لابد وأن يسبقها معرفة إلى اقتصاد ننتمي.
وأضاف النحاس، في تصريحات خاصة لـ "مصر العربية"، أنه ليس هناك مبرر لوقف الاستيراد من تركيا، لو كان ذلك بهدف حماية الصناعية الوطنية فهذا أمر جيد، ولكن في الواقع نحن لا نمتلك صناعة وطنية حقيقية.
وتساءل النحاس، هل سنوقف الاستيراد من أجل مجموعة من المحتكرين، الذين يقدمون مواصفات وجودة أقل بسعر أعلى من المستورد، موضحًا أن الصناعة المحلية أغلى 4 أو 5 مرات على المواطن من المستورد، مشيرًا إلى أن الملابس تأتي على قائمة واردات مصر من تركيا.
وأوضح الخبير الاقتصادي أنه لا توجد أرقام دقيقة حول قيمة ما تستورده مصر من أنقرة من سلع ومنتجات، لأن غالبيتها يأتي من تركيا عن طريق التهريب، مشددًا على ضرورة ايجاد البديل وخلق نوع من التنافسية في مصر، وألا يكون رفع الأسعار الخيار الأول للتجار.
ويبلغ حجم الاستثمارات التركية في مصر نحو 5 مليارات دولار، تحتل بها تركيا المرتبة رقم 47 ضمن قائمة أهم الدول المستثمرة في مصر، من خلال المصانع التركية في المناطق الصناعية بمدن 6 أكتوبر وبرج العرب، فضلاً عن وجود عدد كبير جداً من العاملين المصريين في المنشآت الصناعية التركية الموجودة بالمناطق الصناعية بمدن 6 أكتوبر وبرج العرب التي ترتكز فيها المصانع التركية، والتي يبلغ عددها ٤١٨ منشأة صناعية، ويعمل بها ٥٢ ألف عامل.
رئيس جمعية رجال الأعمال الأتراك-المصريين أتيلا أتاسيفين قال إن العلاقات التجارية بين البلدين لم تنقطع في الأصل وإن أصابها فتور وتباطؤ بعد أحداث الثالث من يوليو 2013، لكن العديد من الشركات التركية استمر نشاطها في مصر.
وأضاف، في تصريحات صحفية، أن "الخلاف السياسي قد يؤثر على العلاقات الاقتصادية، لكن زيادة النشاط الاقتصادي والتجارة المتبادلة تمثلان كذلك وسيلة فعالة لتقريب المسافات وتشكيل ضغط على رجال الدولة لتجاوز خلافاتهم السياسية".
وتابع "نحن أذكى من أن نختلف، وأن يستمر الخلاف بما لا يخدم مصالح البلدين".
وأشار أتاسيفين إلى أن "تركيا ومنذ تشكيل حكومتها الأخيرة برئاسة بن علي يلدرم اتخذت نهجا جديدا في التعامل مع الأطراف في المنطقة يقوم على البحث عن المشتركات وتطوير العلاقات ومحاولة تجاوز الخلافات".
وأوضح أن حجم التبادل التجاري بين البلدين يتراوح بين أربعة وخمسة مليارات دولار، كما أن هناك مساعي لمضاعفته.
ورأى أتاسيفين أن الاقتصاد له دور مهم في رأب الصدع والمصالح، وقال: "نحن دعونا مؤخرا رجال الأعمال من الطرفين إلى عدم خلط الملفات ببعضها، وكما أنه من السهل سلوك سبل تؤدي إلى الخلاف فإن إيجاد طرق الاتفاق ليس صعبا".