دخل صراع حزب المصريين الأحرار خلال الساعات الماضية مرحلة فاصلة في مسيرة الحزب الليبرالي الذي أسَّسه المهندس نجيب ساويرس في أعقاب ثورة 25 يناير من العام 2011، والتي انتهت بطرد رجل الأعمال ساويرس من الحزب.
الصراع الذي يبدو للجميع كما تناقلته مختلف وسائل الإعلام كأنه بين مجلس أمناء الحزب بقيادة ساويرس وبين أعضاء الحزب بقيادة عصام خليل، له أبعاد أخرى تكشف عنها "مصر العربية" على النحو التالي.
بدأ حالة التخبط داخل حزب المصريين الأحرار بين ساويرس وعصام خليل بعد انعقاد البرلمان وذلك بسبب عدم رضا الأول على أداء نواب الحزب في المجلس والذي رأى أنهم موالين للحكومة، ونتيجة لهذا الأمر أوقف نجيب ساويرس التمويل عن الحزب نهائيا في شهر مايو الماضي، وخلال تلك الفترة تولى عصام خليل الإنفاق على الحزب إلى أن تعود الأمور لطبيعتها مرة أخرى لكن تلك الأمنية لم تتحقق وأصر ساويرس على قطع الدعم بشكل نهائي.
وتخطى أمر الاطاحة بنجيب ساويرس من حزبه مسألة نواب الحزب أو قيادته، كاشفا عن صراع مكتوم بين الدولة وساويرس حاول خلالها اتخاذ حزبه أحد أدوات الضغط على النظام السياسي لتمرير معاملاته الاقتصادية.
سي آي كابيتال
النائب محمد سلامة الجوهري، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي، نائب رئيس الكتلة البرلمانية للحزب، قال إن السبب الرئيسي في الخلاف بين المهندس نجيب ساويرس وبين الدكتور عصام خليل والنواب يكمن في رغبة ساويرس استخدام الحزب والنواب ذراعا سياسيا للدفاع عن مصالحه الاقتصادية.
وأضاف الجوهري، في تصريحات خاصة لـ "مصر العربية"، أن الخلاف تأجج بين ساويرس و الحزب بعد فشله في الاستحواذ على صفقة سي آي كابيتال، والتي كان ينافس فيها الدولة المصرية.
ودخل نجيب ساويرس حربا شرسة اعتبرها معركة تحدي من أجل الاستحواذ على شركة "سي آي كابيتال"، المملوكة للبنك التجاري الدولي، حيث أن إتمام هذه الصفقة ودمجها مع شركة بلتون القابضة التابعة له يمنحان ساويرس شركة قابضة تستحوذ على نحو 25% من سوق الأوراق المالية في مصر، ما يسمح له بالتحكم في مجريات السوق واستخدامها لتحقيق مصالحه الاستثمارية مما دفع هيئة الرقابة المالية وإدارة البورصة لاختلاق العوائق لتعطيل تنفيذ الصفقة.
حرب ساويرس وطارق عامر
وكتب ساويرس مقالا في جريدة الأخبار تحت عنوان "الاستثمار وسوء استخدام السلطة,, ماذا إذا أساء محافظ البنك المركزي استخدام السلطة المخولة له لنوازع شخصية، وذلك في إطار حالة من الهجوم الشديد بين ساويرس وطارق عامر، محافظ البنك المركزي.
وقال ساويرس، في مقاله، إن هناك تعنتا حكوميا في صفقة استحواذه على سي.آي كابيتال،وأنه قد يخرج استثماراته من مصر فأرض الله واسعة.
وكان البنك التجاري الدولي وافق على اتمام بيع بنك الاستثمار سي.آي كابيتال المملوك له إلى نجيب ساويرس من خلال شركته أوراسكوم للاتصالات والإعلام مقابل 924 مليون جنيه.
فيما تعطل إتمام الصفقة وتدخل البنك الأهلي المملوك بالكامل لصالح الدولة المصرية بتقديم عرض منافس للشراء بإيعاز من رئيس البنك الأهلي السابق وهو محافظ البنك المركزي الحالي وفقا لحديث ساويرس.
اللافت لحديث ساويرس هو أن البنك الأهلي المصري بعد أن أعلن رغبته في الاستحواذ على سي.آي كابيتال انسحب بعدها وترك الصفقة تماما بعد أن أضاعها على أوراسكوم، وذهبت إلى عدد من رجال الأعمال والمستثمرين المصريين.
وأوضح الجوهري، أن المهندس نجيب ساويرس اعترض على عدم سلوك الحزب مسلكا معارضا لتوجهات الحكومة، مطالبا إياهم بأن يكونوا معارضة دائمة للحكومة داخل مجلس النواب رغم أنهم لا يشكلون أكثرية.
نواب المصريين الأحرار والخلفية الأمنية
وتابع: غالبية نواب الحزب من الشخصيات ذات الخلفية الأمنية، ولذلك رفضوا هذا الأمر، وجاء تأييد نواب الحزب بالإجماع للدكتور عصام خليل لكونه وضع ثلاثة خطوط حمراء لا يجب الاقتراب منها أو الحديث عنها وهي الأمن القومي، والقوات المسلحة، والرئاسة.
الجوهري كشف أيضا عن استبعاد نجيب ساويرس نهائيا من التشكيل الجديد لمجلس الأمناء بعد قرار حله الذي اتخذه الحزب بالإجماع خلال المؤتمر العام.
وكشف مصدر آخر داخل الحزب أن هذا التصرف من جانب الحزب تجاه ساويرس لا يمكن للدكتور عصام خليل أن يفعله من تلقاء نفسه أو يتحمل عواقبه دون وجود توجيهات من جانب الأجهزة الأمنية.
وأضاف المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، لـ "مصر العربية"، أن النظام السياسي حاول تجريد نجيب ساويرس من درعه السياسي متمثلا في حزبه ولذلك تم التجهيز جيدا للإطاحة به.
وأشار المصدر، إلى أن ما حدث مع نجيب ساويرس داخل المصريين الأحرار ليس من الشأن الداخلي للحزب، فالأمر لا يتعلق بالحزب مطلقا لكنه يأتي في إطار الحرب المتبادلة بين النظام السياسي والحكومة من جهة وساويرس من جهة أخرى.
هذا الكلام أكده حديث نجيب ساويرس في تعليقه على قرار المؤتمر العام للحزب والذي أعلن حل مجلس الأمناء، حيث قال في تدوينة على موقع التدوينات المصغرة "تويتر": "لا تأسفن على غدر الزمان، لطالما رقصت على جثث الأسود كلاب، لا تحسبن برقصها تعلو على اسيادها، تبقى الأسود اسود والكلاب كلاب".
الأمر الأخر الذي أكده ساويرس عليه في تعليقاته على هذه التويتة هو أن الأمر أكبر من الحزب بكثير وهو أمر هام لا يحتمل المزاح.
رسائل مكان عقد المؤتمر
وأكد المصدر أن ما يدل على تدخل الدولة للإطاحة بساويرس من الحزب هو مقر عقد المؤتمر العام في فندق الماسة التابع للقوات المسلحة، حيث أنه وللمرة الأولى التي يعقد فيها المصريين الأحرار مؤتمراته في فندق الماسة.
واستطرد المصدر المطلع على تفاصيل الأمور، أنه يوجد دافعين خلف اختيار المكان، أولهما البعث برسالة إلى ساويرس من أجهزة الدولة أنهم استولوا على حزبه بعد أن أسسه لسبب وحيد وهو الضغط على الدولة، والأمر الأخر هو منع وجود أية اشتباكات من جانب أنصار ساويرس داخل الحزب.
رفض أية قرارات للحكومة
بدوره قال نصر القفاص، أمين لجنة الإعلام بحزب المصريين الأحرار، إن "البينة على من إدعى" وكل ما قاله ساويرس حول استخدام الدولة للحزب ضده واختراق الأجهزة الأمنية له غير صحيح وعليه أن يثبت هذا أن كان كلامه صحيحا".
ولفت القفاص في حديثه لـ "مصر العربية"، إلى أنه حضر أعضاء العليا بالكامل و 9 من أعضاء هيئة المكتب السياسي، إلى جانب أمانات الحزب في المحافظات، وأنه لا يستطيع أحد أن يوجه الحزب، فهو حزب مؤسسي.
وأنهى أمين لجنة الإعلام بالحزب حديثه قائلا: في كافة الاجتماعات التي جمعت نجيب ساويرس بالحزب كان يطالبهم بالرفض المطلق لأي قرار أو مشروع قانون تتقدم به الحكومة، وحينما كانوا يناقشونه في الأسباب التي تدفعه لهذا الأمر لا يحصلون على نتيجة، فالرؤية موحدة لديه وهو معراضة دائمة للحكومة".
مصدر أخر داخل الحزب، أكد أن القفاص تلقى أكثر من مرة اللوم من ساويرس قبل إجراء الانتخابات البرلمانية، بعد أن تأجلت عدة أشهر بعد حكم البطلان الذي تعرضت له.
وروى المصدر الذي حضر أحد الوقائع في أعقاب مؤتمر اختيار الفائزين في مسابقة :خطيب الأحرار" التي أطلقها الحزب في النسخة الأولى منه، حيث أنه وبعد انتهاء أعمال المؤتمر وخلال مغادرة ساويرس برفقة القفاص قال له نصا: "مينفعش كل التأخير ده.. أنا بخسر كتير في كل يوم بيعدي في غياب البرلمان.. لازم تضغطوا من جانب الحزب وكمان لازم تضط يا نصر في البرنامج بتاعك".
وكان نصر القفاص أمين لجنة الإعلام بالحزب، يقدم برنامج البرلمان على قناة أون تي في المملوكة سابقا لنجيب ساويرس.