رئيس التحرير: عادل صبري 06:16 صباحاً | الثلاثاء 23 أبريل 2024 م | 14 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

الإدارة الذاتية للعمال.. حكومات الغرب دعّمتها والقاهرة أفشلتها

الإدارة الذاتية للعمال.. حكومات الغرب دعّمتها والقاهرة أفشلتها

أخبار مصر

جانب من احتجاح عمالي - أرشيفية

في مواجهة إغلاق المصانع

الإدارة الذاتية للعمال.. حكومات الغرب دعّمتها والقاهرة أفشلتها

سارة نور 31 مايو 2016 09:56

بينما يعاني الآلاف من العمال في مصر جراء إغلاق مصانعهم حتى إن كثيرًا منهم لا يجد قوت يومه، في ظل الارتفاع المستمر لأسعار السلع، تتعالى الأصوات لإنقاذ هؤلاء من خلال إدارة العمال الذاتية لهذه المصانع.

تجارب العمال في مصر لم تتعد الست تجارب على أقصى تقدير مُنيت جميعها بالفشل لأسباب مختلفة، وبالنظر في تاريخ تجارب الإدارة الذاتية للعمال حول العالم نجد منها ما تطرف في مطالبه مثل العمال الإسبان ومنها من استمر لأربعين عاما من خلال نظم وضعتها الدولة لهذا النوع من الإدارة وتجارب خرجت من رحم معاناة العمال واستمرت مثل الأرجنتين.

 

هذه التجارب أثبتت أنه لا يوجد نموذج أمثل في الاقتصاد والإدارة وأن لكل بلد خصوصيتها يجب عليها أن تستحدث أنظمة تناسبها على كل الأصعدة؛ لأن هذه النظم وجدت في الأصل لإعاشة الناس وليس للتضييق عليهم، لذلك تعرض "مصر العربية" تجارب الإدارة الذاتية للعمال في إسبانيا ويوغسلافيا وفنزويلا والأرجنتين، باحثين في أسباب فشل التجربة المصرية. 

 

إسبانيا

في عام 1936 اندلعت الثورة الأناركية إبان الحرب الأهلية في إسبانيا، التي حملت في جوهرها احتجاجًا اجتماعيًا وعماليًا على نظم الملكية التي كانت سائدة حينها، حيث سيطر العمال على جميع المصانع واستحدثوا نظاما للإدارة الذاتية امتد إلى كل شيء داخل أقاليم كتالونيا وآراغون وأندولوسيا.    

 

إبان الثورة التي امتدت لثلاث سنوات، أحرق المحتجون أرشيف الملكية وسجلاتها بالكامل في القرى والمدن التي وصلتها الثورة حتى أنها لم يتبق منها حتى ملكية السيارات الخاصة أو البيوت، وألغيت الأموال فأصبح العمال يتقاضون بدلا منها ما يسمى بـكوبونات التوزيع.

 

اللجان العمالية التي استحدثتها الثورة لإدارة المصانع لم يكن فيه رؤساء ومرؤوسين، إنما أُنشئت على مبدأ التساوي بين جميع الأعضاء وهذه اللجان كانت تعمل بمبدأ كل وفق لحاجته وليس بقدر إسهامه في العمل تحت مراقبة الاتحاد الوطني للشغل والاتحاد العمالي العام للتنسيق بين هذه اللجان.  

 

 هذه التجربة التي قد تبدو متطرفة في مطالبها لم تستمر طويلا، إذا انتهت بعد إخماد الثورة الإسبانية في عام 1939

 

يوغسلافيا

بعد عشر سنوات من فشل التجربة الإسبانية في الإدارة الذاتية ظهرت على السطح تجربة يوغسلافيا الشيوعية التي استحدثت نظاما استطاع الصمود لما يزيد على الأربعين عامًا.

 

التجربة اليوغسلافية تفردت من بين الأنظمة الشيوعية التي كانت في ذلك الوقت في إدارة المنشآت الصناعية بعد تأميم الاقتصاد، معتمدة على ما يسمى بالمجالس العمالية، لمواجهة الروتين الحكومي لتحرير الإنتاج من خلال قانون الإدارة الذاتية الذي صدر في يونيو 1950.

 

نص القانون على إنشاء مجلس عمالي ومجلس منتجين يتم انتخابهم من قبل العمال كل عام ومدير ترشحه هذه المجالس، ويتم التصويت عليه من مجلس الشعب في الولاية التابع لها المصنع وبناء على هذا يصبح العامل هو نفسه أحد مسئولي الإدارة.  

 

خلال الفترة ما بين الستينات حتى الثمانينات ازدهر الاقتصاد في يوغسلافيا وأصبحت بلدا يضمن العمل اللائق للجميع بحسب ما أوردته ميلينا يوفانوفيتش باحثة متخصصة في علم الاجتماع في الجزء الأول من سلسلة مقالاتها قصة تدمير الحلم التي تحكي التجربة اليوغسلافية.

 

في هذا الوقت، استبعد آشير دليون في كتابه" 33 سؤالا وجوابا عن الإدارة الذاتية للعمال في يوغسلافيا" احتمالية أن يُضرب العمال هناك عن العمل؛ لأنهم بالفعل يتمتعون بكافة حقوق الإدارة لمنشآتهم على حد قوله.

 

لكن الغريب أن هؤلاء العمال نفذوا ما يزيد على 800 إضراب عمالي في 1986 يطالب بزيادة المستحقات المالية للعمال وازدادت عدد هذه الإضرابات حتى وصلت  إلى 1900 إضراب في عام 1990، يرجح مراقبون أن هذه الاضرابات جاءت نتيجة صعود اقتصاد السوق، فضلا عن العوامل السياسية التي أدت إلى تفكك الدولة إلى مجموعة من الجمهوريات حتى انتهت هذه التجربة في 1991.   

 

مع تراجع الأنظمة الشيوعية في أواخر التسعينيات وصعود اقتصاد السوق من تحرير التجارة في السلع والخدمات وحركة رأس المال واتجاه الدولة إلى بيع أصول القطاع العام والمرافق، فيما بات يُعرف بالسياسات النيوليبرالية، تصاعدت مقابلها حركة العمال المدافعين عن حقهم في العمل اللائق خاصة في أمريكا اللاتينية.

 

فنزويلا

في 1998 بعد فوز هوجو تشافيز اليساري في الانتخابات الرئاسية الفنزويلية في الوقت الذي كانت تسير فيه الدولة بخطوات واسعة نحو  تحرير الاقتصاد إذ سيطر رجال الأعمال على النفط الذي يعد المورد الرئيسي للاقتصاد هناك وأغلقوا العديد من المصانع بهدف الضغط على النظام الجديد.

 

ونتيجة لهذا نشأت "حركة الاستيلاء على المصانع المغلقة" ودعمت الحكومة هذه الخطوة خاصة أنها كانت تسير في نفس الاتجاه من خلال إعادة شراء البنوك والشركات التي تم خصخصتها، حيث وافقت على إدارة العمال لـ50 % فقط من المصانع المستعادة من خلال التعاونيات.

 

وحظيت هذه التعاونيات بدعم حكومي من خلال توفير القروض اللازمة لإعادة التشغيل وبالفعل، وحقق هذا الاتجاه نجاحا نسبيا للاقتصاد، ففي 2007 قالت الأمم المتحدة إن فنزويلا هي الدولة الوحيدة التي تسير على مخطط التنمية الذي وضعته، بحسب ما جاء في مقال مشترك للباحثين وائل جمال ودينا سمك تحت عنوان "فنزويلا.. اقتصاد خارج المألوف".

 

لكن في 2009 عانت بعض الشركات التي تخضع للرقابة العمالية من صعوبات التمويل وعدم موافقة الدولة على مصادرة مصانع أخرى احتلها العمال لعدة سنوات بسبب تعنت أصحابها وتعمدهم إغلاق هذه المصانع، فضلا عن اغتيال ما يقارب من خمس قيادات عمالية خلال عامي 2008 و 2009.

 

ونتيجة للأزمة الاقتصادية الخانقة في فنزويلا حاليا بسبب تراجع أسعار النفط واستمرار المستثمرين في غلق المصانع، قرر الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو منتصف مايو الجاري مصادرة المصانع التي توقفت عمدا عن الإنتاج والزج بأصحابها في السجون، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي.

 

الأرجنتين

قد تكون التجربة الفنزويلية في الإدارة الذاتية لم تكن واعية بدرجة كافية لتضمن نجاحها، لكن نظيرتها الأرجنتينية التي بدأت تقريبا في نفس التوقيت لم تحظ بدعم حكومي لكن العمال هناك عرفوا كيف يحشدون المجتمع كله ضد سياسات تشريدهم بعد موجه إغلاق المصانع في أواخر التسعينيات.

 

 يقول فديريكو ماتياس روسي – متخصص في الحركات الاجتماعية في أمريكا اللاتينية – في بحثه تحت عنوان " إدارة العمال الذتية – تجارب من الأرجنتين " إن السياسات النيوليبرالية واسعة النطاق في الأرجنتين أدت إلى إفلاس وإغلاق العديد من المصانع لعدم قدرتها على منافسة الواردات التي تدخل إلى الأسواق المحلية دون حماية جمركية تذكر، نتيجة لهذا نظم العمال أنفسهم للدفاع عن مصدر دخلهم الوحيد.

 

 انطلقت حركة إدارة المصانع ذاتيا في 1998 عندما احتل عمال مصنع شركة إمبا للصناعات المعدنية بعدما أعلن المالك عن إفلاسها وانتظم العمال في جمعية تعاونية لإدارة المصنع ذاتيا ونجحوا في التنسيق مع حركة عمالية تسعى لمنع إغلاق المصانع المهددة بالإفلاس واستعادتها من ملاكها وإيداع إدارتها في يد العمال.

 

سار العديد من عمال المصانع التي توشك على الإغلاق على نهج عمال إمبا في استعادة مصانعهم، فكانوا يبدأون في حراستها للمحافظة على مواردها ثم يتقدمون للمحكمة بطلب إدارة هذا المصنع وأحيانا توافق المحكمة وفي أحيان كثيرة لا.

 

لكن هذا لم يمنع العمال هناك في مواصلة نضالهم الاجتماعي لاستعادة مصانعهم فتكونت تنظيمات مثل "الحركة القومية لاستعادة المصانع" و"الحركة القومية للمصانع المستعادة من قبل العمال" استطاعت أن تحشد المجتمع بتنظيماته السياسية والمدنية والطلابية لتبني مطالب العمال.

 

هؤلاء العمال كانت تقابلهم دائما مشكلة التمويل حيث كانت تلزمهم الحكومة بتسديد المديونيات المصنع مما يجعل إعادة تشغيله شبه مستحيلة، لكن بعضهم كان يلجأ إلى الاقتراض من المصانع الأخرى المدارة ذاتيا.

 

واصل العمال نضالهم حتى استطاعوا أن يجروا تعديلات على قانون الإفلاس يتيح للعمال إعادة تشغيل المصانع دون تسديد مديونياته دون الحاج لتعديل الدستور الذي يحمي الملكية الخاصة.

 

بحسب روسي فإن عمال الأرجنتين استطاعوا إدارة 205 مصانع في 2010 معظمهم من المصانع الصغيرة والمتوسطة لكن هناك بعض الشركات الكبرى أيضا.  

 

 تتشابه التجربة الأرجنتينية كثيرًا مع التجربة المصرية في إدارة العمال للمصانع ذاتيًا من حيث الوضع الاقتصادي والسياق القانوني لكن الأخيرة لم تحظ بالنجاح على أي صعيد.

 

مصر

نشأت فكرة إدارة العمال ذاتيا في مصر منذ 2003 لكنها لم تتعد 6 شركات جميعها فشلت فيها الإدارة الذاتية إما بسبب تعنت الحكومة ضد العمال ومطالبتهم بتسديد كافة ديون الشركة أو عدم موافقة النائب العام على طلب الإدارة أو ممارسة أصحاب هذه الشركات البلطجة مع العمال والاستيلاء على موارد المصنع بالقوة كما حدث في مصنع أحمد عصمت حلاوة للنسيج بمدينة السادات.

 

تجربة العمال في مصر تشابهت في بدايتها مع تجربة عمال الأرجنتين من حيث حفاظهم على مقدرات مصانعهم وتظاهراتهم من حين لآخر من أجل إعادة التشغيل، لكنهم لم يحصلوا على مطالبهم ولم يستمروا في نضالهم.

 

 ولهذا تقول نشوى زين - منسق عام حركة تعاون – إن فشل عمال مصر في إدارة مصانعهم المغلقة يعود إلى مشكلتين إحداهما اجتماعية والأخرى إدارية وله عدد الحركات العاملة في هذا النطاق بعكس فنزويلا والأرجنتين.

 

وتوضح زين لـ"مصر العربية" أن المشكلة الاجتماعية تتمثل في عدم وجود حاضنة اجتماعية تدعم العمال، كما حدث في الأرجنتين بل أحيانا تصل إلى حد مناهضة هؤلاء العمال؛ لأن المجتمع المصري يرفض فكرة الملكية الجماعية.

 

 وتضيف زين أن العمال أنفسهم يكون غالبا ليس لديهم ثقة بنجاحهم في إدارة منشآتهم فضلا عن قلة الثقافة والوعي بمفهوم العمل الجماعي والاستدامة في مشروع نضالي.

 

وتؤكد أن الدولة تحبذ الاستثمار الفردي لذلك تتعنت ضد العمال الذين يطالبون بإدارة مصانعهم بعد غلقها، حيث تطالبهم بسداد كافة الديون وأحيانا ترفض الجدولة و نحاز القضاء أيضا إلى جانب المستثمر ويعيد إليه المصنع بعدما يديره العمال ويضخوا فيه رؤوس أموال.

 

لكن ربما يكون السؤال الأهم هل تؤثر تجارب الإدارة الذاتية على جذب الاستثمارات بالسلب كما يُشاع، هنا يرى الدكتور عمرو عادلى، أستاذ الاقتصاد السياسي بالجامعة الأمريكية، أن الأرجنتين بلد جاذب للاستثمار بمعدلات تفوق مصر بمراحل كبيرة، وبحسب بيانات البنك الدولي وصل متوسط نصيب الفرد في الاستثمارات الأجنبية في الأرجنتين إلى 235 دولارا في مقابل 75 دولارا في مصر، بحسب ما جاء في مقدمته لترجمة بحث فيديركوا ماتياس روسي.

 

اقرأ أيضا: 

المصانع المغلقة.. ماكينة الأوهام تدهس آمال العمال

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان